بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* تيسير الزايد
- الرفض بلباقة يتيج لنا الوقت لنجرب أموراً جديدة ونمارس هوايات محببة.
"سيكون التقرير جاهزاً صباح غد"، "سأكون معك وأنت تقدم أوراق العمل فيالصباح"، "سأحضر اجتماع أولياء الأمور صباحاً"، "سأستأذن في الصباحوأصطحبك للمستشفى".
هذه نماذج من الأمور التي يمتلئ جدول أعمالنا اليومي صباحاً ومساء لتلبيةطلبات وإنجاز اتفاقات تتنافس على عدد من الساعات المعدودة في اليوم، قديستمر الأمر أسبوعاً أو شهراً، ولكن في النهاية يصيب النفس التوتر والقلقوالتعب، وقد ترفض كل شيء وتهرب من واقعها إلى حيث لا شيء، وحتى لا تختلطلدينا الأمور ونصل بأنفسنا لطريق الملل من العطاء علينا أن نقول "لا" فيبعض الأحيان كطريقة لتنظيم الوقت، وإعطاء الأولويات حقوقها، والقيامبعملنا بإتقان.
عندما نعلم كيف نقول "نعم" لأمور حياتنا سنتعلم حينها متى نقول "لا"، وهذايأتي عندما نعرف كيف نرتب أولوياتنا، فمثلاً عندما تكون أمور ديننا منأولوياتنا سنعرف كيف نقول "لا" لأمور قد تستهلك وقتنا وتنسينا مبادئنا،وعندما تكون الأسرة هي "نعم" في حياتنا ستكون "لا" هي الرد لكل طلب قديبعدنا عنها أو يجعلنا نقصر في مسؤوليتنا حيالها، وعندما نقول "نعم"لصحتنا ولياقتنا ستكون "لا" هي الرد لكل طلب إذا قمنا به أهملنا ساعاتالتدريب أو استهلكنا هذه الصحة فيما يضر بها.
هناك أسباب كثيرة قد تدفعنا لأن نقول "نعم" لكل ما يطلب منا، ونحن فيقرارة أنفسنا نعني "لا"، منها خوفنا من أن نؤذي مشاعر الآخرين برفضناطلباً لهم، أو خوفاً من أن نتصف بأننا لا نستطيع أن ننجز عملاً معيناً، أوكوننا نشعر أن لدينا الإمكانية لأن ننجز كل شيء.
وهنا يجب أن نؤكد على شيء مهم جداً وهو: عندما نرفض طلباً لشخص معين لايعني هذا رفضنا لهذا الشخص، ولكن ببساطة: إننا نرفض القيام بما يطلبهمنا.. وكثير من الناس يفضل أن نتصف بالأمانة معهم ونرفض طلبهم من البداية،بدلاً من أن يتحملوا عاقبة الرفض في منتصف العمل أو عدم تأديته في الوقتالمناسب.
- لماذا نقول "لا"؟
عندما نرفض طلباً ما ونقول: "لا" فليس معنى هذا أننا أنانيون، ولكن قديكون الرفض أفضل شيء نقدمه لأسرتنا ومسؤولياتنا الأخرى، فـ"لا" هنا تعنيأن نوعية الوقت الذي سنقضيه مع الأشياء التي نقوم بها سيكون أفضل، فأيهماأفضل أن نقوم بعشرة أعمال ناقصة أم القيام بأربعة أعمال متقنة وكاملةبنفسية عالية وجسد غير منهك!!
الرفض بلباقة لبعض ما يطلب منا سيتيح لنا الوقت لنجرب بعض الأمور الأخرىالجديدة، ونمارس هوايات مختلفة تبعث في النفس النشاط والراحة من أجل أداءعمل متقن أكثر.
قد تكون "لا" حماية للنفس من الوقوع تحت ضغط الأعمال الكثيرة المنجزة وغيرالمنجزة، والتي قد يؤدي تراكمها لمزيد من القلق والتعب والمرض، فلا نفيدولا نستفيد.
قد يكون قول "لا" مبكراً حماية لأنفسنا من الشعور بالذنب وحماية للآخرينمن الشعور بالغضب وخيبة الأمل عندما لا نستطيع أن ننجز ما وعدنا الآخرينأننا سنقوم به.
- كيف ننظم حياتنا ونقول "لا"؟
1- الالتزام بقائمة الأهداف التي تم كتابتها والتخطيط لها، فهذا سبب رئيس لرفض أي عمل قد يبعدنا عن تلك الأهداف والخطط.
2- محاولة فهم حقيقة ونوعية الطلب مهمة جداً، فقد يحتاج الأمر وقتاًوجهداً أكثر مما قد يتوقعه الشخص، أو بالمقابل قد لا يحتاج أي جهد من أجلإنجازه، ولهذا كان إعطاء النفس فرصة للتفكير قبل الإجابة بالرفض أوبالقبول أمراً مهماً.
3- عدم المجازفة بعمل عدد كبير من الأعمال، فالقيام بعدد قليل من الأعمالالمتقنة خير من القيام بعدد كبير من الأعمال غير المنتهية أو غير المتقنة.
4- من حق أي إنسان أن يرفض ما يراه غير مناسب له للقيام به، بل أحياناًكثرة القبول لأي عمل قد يجرّئ الناس عليه، فتصبح حياته وساعاته جدولاًيخططه الآخرون له.
5- الرفض بلباقة، والتأدب في قول "لا" أمر مهم، كما أن الوضوح في الرد أمرمهم جداً، فالإجابات التي تعطي أكثر من معنى قد تضلل الطرف الآخر ولا تفيدالموقف.
6- استخدام عبارات قصيرة للرفض أو جمل طويلة مع تبريرات يعتمد على الموقف والطلب.
7- قدم بدائل واقتراحات للطرف الآخر،كأن تقول: "لا أستطيع أن أقوم بهذاالعمل في الغد، فما رأيك في الأسبوع القادم؟ أو ما رأيك أن يقوم به شخصآخر تقترح اسمه؟".
8- من الضروري إعطاء فرصة لمن حولك لمساعدتك أو القيام بعمل كنت تفضل أن تقوم به بنفسك.
9- الخوف من أن يشعر الآخرون بخيبة أمل إذا رفض طلبهم يجب أن يسبقه النظر إلى النفس، ومعرفة هل ستشعر بخيبة أمل إذا قبلت بالأمر.
10- معرفة الأولويات أمر ضروري، فقد يزدحم الجدول بأعمال وخطط لا تنتميلجدول من كتبها ولا تنتمي لمبادئه بأي علاقة، ومن الممكن علاج الازدحامبكتابة الأمور المهمة التي يراد القيام بها، ومن ثم النظر إلى الطريقةالتي يقضى بها اليوم، فإذا كان الوقت يضيع في أمور أخرى غير التي خطط لها،فهنا يجب أن يتوقف ويقول "لا" للأعمال التي تضيع الوقت.
11- قد يلجأ الشخص إلى قبول الكثير من الأعمال فوق طاقته وعدم الاعتذاربـ"لا" من أجل المزيد من الدخل المادي، وقد يكون السبب ليس في قلة المالالذي يحصل عليه، ولكن بسبب سوء استخدام هذا المال وعدم التخطيط لميزانيةخاصة، وهذا يمكن تعديله بمعرفة أساليب إدارة المال بطريقة فعالة وجيدة.
12- معرفة النفس تسهل عملية الاختيار بين الاقتراحات المتوفرة، فتستطيع أنترفض ما لا يناسب شخصيتك وتوقعاتك، وتقبل ما يتناسب معك وما يناسب جدولكمن أعمال.
13- على الإنسان أن يعيش حياة متوازنة، يأخذ ويعطي، فلا يأخذ دائماًفيكرهه من حوله ولا يعطي دائماً، فيصل لمرحلة يكره نفسه ويمل منها، وإذاتأملنا سورة "الضحى" سنجد هذا الاتزان واضحاً. فعندما ذكّر الله تعالىالإنسان بالنعم التي أنعمها عليه طلب منه بالمقابل أن يشكر تلك النعمبالقيام بأعمال معينة، وهذا ما يسبب الاتزان والراحة والسلام الداخلي.